الوثيقة مبادرة من ناشطين وناشطات وأكاديميين وأكاديميات ومثقفين ومثقفات سعوديين وسعوديات شاركوا في صياغتها وتقييمها. بنيت هذه الرؤية على عددٍ من مطالبات الإصلاح المقدمة في السابق من رواد المجتمع المدني السعودي والذين تعرضوا بسبب نشاطهم للقمع والسجن والملاحقة من السلطات. وتقدم هذه الوثيقة رؤية شعبية أساسية للإصلاح في المملكة العربية السعودية، تتمركز حول حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية كأهم منطلقات الإصلاح.
هذه الرؤية شعبية خالصة ومُستمدة من قيمنا كمدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان لإبراز مطالب المجتمع السعودي والدفع قُدُمًا بالمزيد من الحقوق والحريات. وتتحقق رؤيتنا هذه باتخاذ السلطات السعودية الإجراءات التالية:
1- الإفراج فوراً ومن دون قيد أو شرط عن جميع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وغيرهم من سجناء الرأي، وضمان عودتهم لحياتهم وأعمالهم الطبيعية من غير قيود بعد الإفراج عنهم.
يجب على السلطات السعودية إنهاء قمعها لعناصر المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، والسماح لهم بالعمل من أجل الحقوق والحريات للجميع.
لا يجوز اعتبار نشطاء حقوق الإنسان والأساتذة الجامعيين والجامعيات والصحفيين والصحفيات والمواطنين والمواطنات والمقيمين والمقيمات المهتمين والمهتمات أعداء، كما يُصوَّرون في الوقت الحالي، فهم عناصر حيَّة للتغيير الإيجابي. وتصب احتجاجاتهم وكتاباتهم ودعواتهم لإجراء إصلاحات اجتماعية وسياسية في صالحنا جميعاً. لذا، ينبغي النظر إلى مشاركتهم بوصفها مبادرة تساهم بازدهار وتقدم الدولة من أجل بناء مجتمعٍ مدني حرٍ وعادلٍ ومتسمٍ بالحيوية. لذلك، فإن أفضل من يمكنهم المساعدة على التحفيز لتحقيق هذا التقدم يقيمون في المنفى، أو يرزحون في السجون، أو يعيشون بصمت وفي خوف في داخل البلاد.
يجب على السلطات السعودية الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع سجناء وسجينات الرأي، و إلغاء قرارات الإدانة والأحكام الصادرة ضدهم؛ وما يترتب عليها من عقوبات، وإلغاء جميع قرارات المنع الإدارية وإسقاط أي تهمٍ قائمةٍ موجَّهةٍ لهم، والإسراع بصرف تعويضاتٍ ملائمةٍ عن انتهاك حقوقهم الإنسانية، وتعويض خسائرهم المادية والمعنوية وملاحقة ومقاضاة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
2- احترام الحق في حرية التعبير
تعد حرية التعبير ركيزة أساسية لقدرة الفرد على تحقيق إمكاناته الكاملة، و ركيزة أساسية لتقييم الأداء الحكومي والمساعدة في صياغة السياسات والقوانين التي تمثّل وتضمن حقوق الجميع. كما أنها ركيزة أساسية لحماية التعددية، بالإضافة إلى كونها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان.
صعَّدت سلطات المملكة العربية السعودية من قمعها للحق في حرية التعبير، بما في ذلك قمع أشكال التعبير عبر الإنترنت. ولا تتسامح السلطات مطلقاً مع الاختلاف في الأفكار أو الآراء. فكل من ينتقد السلطات أو يعبِّر بشكلٍ سلمي عن آرائه في القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، يجد نفسه عُرضةً للمضايقة والاحتجاز التعسفي والمحاكمة. وتُسيء السلطات استخدام قانون مكافحة الإرهاب وقانون مكافحة جرائم المعلوماتية، فتحاكم أشخاصًا أمام محكمةٍ تخضع لسيطرة السلطات التي تعتبرها متخصصةً بمكافحة الإرهاب، ما يشي بأن السلطات تعتبر التعبير السلمي عن الرأي تهديدًا للأمن الوطني. ولا يسلم منتقدو السلطات المقيمون خارج البلاد من الجنسين من المخاطر، وهو ما تجلى في جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي خارج نطاق القضاء داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في مدينة إسطنبول بتركيا، بالإضافة إلى التهديدات المتكررة للنشطاء وملاحقتهم في الخارج عبر الاختراقات الإلكترونية، وإيقاف الخدمات، وتجميد الحسابات، ورفض تجديد جوازات السفر وملاحقة أهلهم وأصدقائهم.
يجب على السلطات السعودية إلغاء أو تعديل "نظام مكافحة الإرهاب وتمويله" ليتماشى بشكلٍ كاملٍ مع القيم الأساسية والقانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما عليها تعديل "نظام مكافحة جرائم المعلوماتية" الصادر عام 2007، وغيره من الانظمة المتعلقة باستخدام وسائل الإعلام الإلكترونية، بما يكفل إلغاء المواد التي تُجرِّم استخدام هذه الوسائل بشكلٍ سلمي في ممارسة الحق في حرية التعبير وحرية التجمع السلمي. وينبغي بالسلطات صياغة المواد المذكورة صياغةً قانونيةً منضبطةً ودقيقةً لا تترك مجالًا للسلطات التنفيذية والقضائية لإساءة استخدامها.
3- احترام الحق في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها وحرية التجمع السلمي
من المهم جدًا ضمان حرية تشكيل الجمعيات للضغط والتأثير على السياسات العامة ومراقبة أداء الحكومة، ولضمان تمثيل المجتمع المدني وكافة المجموعات في صنع السياسات التي تحمي مصالحهم ومصالح الجميع.
لا يستطيع المدافعون عن حقوق الإنسان من الجنسين تكوين جمعيات في المملكة العربية السعودية. ولا يتماشى القانون الحالي -أي "نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية"- مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ومنذ سنوات طويلة، أُدين العديد من النشطاء بتهمة "إنشاء جمعية غير مرخَّصة" وغيرها من تهم التجمّع السلمي. وكثيراً ما جاءت أحكام الإدانة بعد فشل محاولات النشطاء في استصدار سجلٍ رسميٍ لمنظماتهم المستقلة المعنية بحقوق الإنسان.
ولا تسمح السلطات أيضاً بإنشاء أحزاب سياسية ونقابات عمالية. وفي سياق نظام الكفالة القمعي الذي يُعتبر العمال الأجانب أكثر المتأذين منه، وفي سياق التحولات الأخيرة التي زادت من نسبة المواطنين السعوديين ومنهم النساء في سوق العمل، تزداد أهمية السماح بتشكيل نقابات مستقلة لتمثيل وحماية مصالح جميع العمال والعاملات.
يجب على السلطات السعودية تعديل "نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية" لإلغاء القيود التي تحول دون التسجيل القانوني للجمعيات المستقلة المعنية بحقوق الإنسان وغيرها من منظمات المجتمع المدني، ومن ثم إلغاء صلاحيات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لجهة منع أو إعاقة التسجيل القانوني لمثل تلك الجمعيات متذرّعةً بأسبابٍ غير مشروعةٍ كاعتبار تلك الجمعيات مخالفة ومحظورة. كما يجدر بالسلطات إنهاء الحظر المفروض على الاحتجاجات السلمية وإنهاء تجريمها.
4- حماية حقوق المرأة
في عام 2019، أعلنت السلطات عن إصلاحات كبيرة في نظام ولاية الرجل الذي ينطوي على تمييزٍ ممنهجٍ ضد المرأة. وبالرغم من إقرار الإعلان بأن للمرأة حقوقٌ شأنها شأن الرجل، وبالرغم من تخفيف بعض القيود البارزة على حرية المرأة في التنقل، لم يتحقّق إلغاء نظام الولاية برمّته، فما زالت المرأة لا تستطيع الزواج من دون إذن ولي الأمر مثلًا. كذلك تواجه النساء والفتيات التمييز الممنهج في النصوص القانونية وفي الواقع الفعلي في قضايا الزواج، والطلاق، والميراث ونقل الجنسية للأبناء والبنات من زوج أجنبي. وتتعرض النساء العاملات في القطاع الخاص بشكل أكبر لهوّةٍ بالغةٍ في الأجور والفرص، كما تبقى سلطة ولي الأمر في رفع دعوى تغيّب أو عقوق على النساء عائقًا أساسيًا يمنع وصول المرأة إلى حقوقها المختلفة في الابتعاث والتعليم والعمل والتنقل واختيار محل الإقامة، حتى وإن كانت هذه الحقوق مكفولة بموجب القوانين وتعديلاتها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ غياب الآليات الواضحة للتظلم من منع ولي الأمر للنساء من ممارسة حقوقهن والحصول عليها يشكّل عقبةً كبرى أمام تفعيل أيّ تعديلاتٍ على أنظمة الولاية.
ولا زالت النساء والفتيات يفتقرن إلى الحماية الكافية من العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف، كما لا يمكن للنساء مغادرة دور الحماية أو السجون أو دور الرعاية من دون "تسليمهن" إلى ولي أمرٍ ذكر، مما يسهم في تعريضهن للمزيد من العنف أو بقائهن في وضع الحبس في حال رفض أولياء الأمر "تسلّمهن".
ومن المفارقة أن المدافعات عن حقوق الإنسان اللاتي ناضلن بلا هوادةٍ من أجل إصلاحاتٍ قالت السلطات أنها تؤيدها، ما زلن يتعرضن للاضطهاد والملاحقة. لذلك، لا يمكن تعزيز حقوق النساء بلا تمثيلٍ شعبي لمطالبهن ومن دون بيئةٍ لا تخشى فيها أيّ مدافعةٍ أو مناضلةٍ من التعرّض للملاحقة أو القمع.
يجب على السلطات السعودية إلغاء القوانين القمعية المتعلقة بولاية الرجل بشكل كامل، وإسقاط كافة التهم الموجهة إلى المدافعات عن حقوق النساء اللاتي لعبن دوراً جوهرياً في المطالبة بهذه الإصلاحات من خلال نشاطهن، كما على السلطات الإفراج فوراً ومن دون قيد أو شرط عن جميع المحتجزات بسبب نضالهن من أجل تلك الحقوق الأساسية.
5- ضمان حرية الاعتقاد ومكافحة التمييز الديني بكافة أشكاله
يجب على السلطات السعودية ضمان ممارسة حرية الاعتقاد للجميع، بما في ذلك تجريم التمييز ضد أفراد الطائفة الشيعية والأقليات الأخرى مثل الصوفيين والإسماعيليين وغيرهم.
وعلى وجه الخصوص، يواجه أبناء الطائفة الشيعية التمييز بسبب عقيدتهم، ما يحدّ من حقهم في التعبير عن معتقداتهم الدينية والتماس العدالة، وكذلك حقهم في العمل في عددٍ من وظائف القطاع العام والحصول على الخدمات الحكومية. ويتعرَّض عددٌ من النشطاء الشيعة المتهمين بدعم التظاهرات أو المشاركة فيها، أو بالتعبير عن آراءٍ تنتقد السلطات أو تطالب بحقوقٍ وحرياتٍ أوسع، للمحاكمة والسجن، كما يواجه بعضهم أحكامًا بالإعدام تصدر عن محاكماتٍ مسيّسةٍ وغير عادلة.
يجب على السلطات السعودية إنهاء كافة أشكال التمييز والترهيب والمضايقة والاحتجاز بدون تهمةٍ أو محاكمة، والتي تستهدف أفرادًا بسبب معتقداتهم، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية، كما عليها تعزيز حقهم في التجمع السلمي.
6- ضمان العدالة في القوانين والنظام العدلي وحلّ ملف الاعتقال التعسفي
لا تتضمن إجراءات التوقيف والتحقيق والمحاكمة في المملكة العربية السعودية أي ضماناتٍ للعدالة كالشفافية، والحق في معرفة التهم قبل التوقيف، والحماية من التعذيب والحصول على محام، فضلًا عن غياب تعريفاتٍ واضحةٍ للجرائم والعقوبات، بما فيها جرائم الإرهاب، على نحوٍ يتفق مع المعايير المتعارف عليها دوليًا، ويضمن عدم استخدام تلك الأنظمة لملاحقة المعارضات والمعارضين السلميّين ونشطاء حقوق الإنسان. وتُظهر المحاكمات في المملكة العربية السعودية استخفافاً بالعدالة. ففي بعض المحاكم، مثل المحكمة الجزائية المتخصصة، كثيراً ما تُعقد الجلسات بسرّيةٍ كلّيةٍ أو جزئية. ويُظهر القضاة تحيُّزاً واضحاً ضد المتهمين، وخاصة في قضايا المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين. وكثيراً ما يُقبض على "متهمين" من دون إذنٍ رسمي بإلقاء القبض؛ ولا يُبلغون بأسباب القبض عليهم، ويُحتجزون بمعزلٍ عن العالم الخارجي، وكثيراً ما يُحتجزون في الحبس الانفرادي، من دون السماح لهم بالاتصال بأهاليهم أو محاميهم طيلة شهور؛ ويتعرَّضون للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة خلال فترة الاحتجاز السابق للمحاكمة بهدف انتزاع "اعترافاتٍ" منهم، أو لمعاقبتهم على رفضهم إعلان "التوبة"، أو لإجبارهم على التعهد بالكفّ عن انتقاد السلطات؛ كما يُحتجزون من دون تهمةٍ أو محاكمة، ولا يُسمح لهم بالطعن في قرار احتجازهم طيلة سنين.
يجب على السلطات السعودية إجراء إصلاحاتٍ جوهريةٍ لنظام القضاء، بما يتوافق مع شروط المحاكمات العادلة وحماية المحتجزات والمحتجزين من الاعتقال التعسفي والعزل الانفرادي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، كما يجدر بها الالتزام بتدابير تتماشى مع المعايير الدولية ذات الصلة.
7- إنهاء التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي تزري بالكرامة الإنسانية
من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن التعذيب هو الطريقة الوحيدة للحصول على معلوماتٍ قد تكون منقذةً للحياة. لكن هذا ليس صحيحًا. التعذيب عقوبةٌ لا إنسانية ولا يمكن تبريره أبداً. كما أنه وغيره من ضروب المعاملة السيئة لا يؤدي إلى الحصول على أي معلوماتٍ موثوقة، وقد يؤدي استخدام مثل هذا العنف إلى شيوع العنف المضاد ضد السلطات والمجتمع.
يُستخدم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على نطاقٍ واسعٍ في السعودية ضد أشخاصٍ حُرموا من حريتهم، بما في ذلك الموقوفين والموقوفات في خلال فترة الاحتجاز للتحقيق والسابق للمحاكمة. ويقول كثيرٌ من المحتجزين بإن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة تُستخدَم من أجل انتزاع "اعترافات" منهم، أو عقابًا لهم لرفضهم إعلان "التوبة"، أو لإرغامهم على التعهد بعدم انتقاد السلطات، وكذلك التعذيب للانتقام من الضحية.
يجب على السلطات السعودية ضمان استبعاد أي أدلةٍ جُمعَت بواسطة التعذيب أو الإكراه أو غيرهما من الأساليب غير القانونية، وعدم استخدامها قضائيًا أو في أيّ مجالٍ آخر. كما عليها ضمان إجراء جلساتٍ علنية وعادلةٍ بهدف تقديم تعويضاتٍ ملائمةٍ لجميع ضحايا التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي السلطات أو من يتصرّفون نيابةً عنها. كذلك يجدر بالسلطات - على وجه السرعة - تقديم كل من تتوفر أدلةٌ كافيةٌ على مسؤوليتهم أو ضلوعهم في عمليات تعذيبٍ أو غيره من ضروب المعاملة السيئة إلى المحاكمة بتهمٍ جنائيةٍ في محاكماتٍ عادلة، والحُكم عليهم في حال تمّت إدانتهم بأحكامٍ تتناسب مع جسامة الجُرم، وبما يكفل ردع غيرهم عن هذا الفعل
8- إلغاء عقوبة الإعدام
لا يوجد دليلٌ على أن عقوبة الإعدام هي أكثر العقوبات فاعليةً في الحد من الجريمة. وفي السعودية، غالباً ما يصدر حكم الإعدام بعد محاكماتٍ معيبةٍ تفتقر إلى المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.
تُعد السعودية من بين الدول التي يُنفَّذ فيها أكبر عددٍ من عمليات الإعدام في العالم. ففي عام 2019، أُعدم 185 شخصاً في السعودية، غالبيتهم بسبب جرائم تتعلق بالمخدرات وجرائم قتل.
ويُعتبر الحكم على شخصٍ بالإعدام انتهاكاً للحق في الحياة، ولا يمكن التراجع عنه في حال نُفذَت العقوبة بشكلٍ خاطئ. بالإضافة إلى ذلك، لا تفي إجراءات المحاكم في السعودية بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فنادراً ما يُسمح للمتهمين بالحصول على تمثيلٍ قانوني رسمي. وفي حالاتٍ كثيرة، لا يُبلّغ المتهمون بمستجدات الإجراءات القانونية ضدهم.
يجب على السلطات السعودية إعلان وقفٍ رسمي لتنفيذ جميع أحكام الإعدام، بدءًا بالأحكام التعزيرية، تمهيداً لإلغاء عقوبة الإعدام بشكلٍ كامل. وينبغي بالسلطات أيضًا تخفيف كافة أحكام الإعدام القائمة، وضمان تماشي التشريع المحلّي مع القانون الدولي والمعايير الدولية.
9- ضمان احترام حقوق العمال والعاملات الأجانب
يتعرَّض العمال والعاملات الأجانب في السعودية لممارساتٍ تنطوي على التمييز، بما في ذلك الحملات ضد من لا يتمتعون بوضع قانوني. وقد قُبض على ملايين الأشخاص وتم ترحيلهم في حملات دورية ولا تزال مستمرة حتى الآن، وهي تستهدف الأجانب المتهمين/ات بمخالفة قوانين وقواعد الإقامة وأمن الحدود والعمل. وتعرَّض بعض العمال الأجانب الذين قُبض عليهم بسبب مخالفات قانون العمل، للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز في شتى أنحاء البلاد.
ويعيش في ظل نظام الكفالة في السعودية حوالي 11 مليون عاملة وعامل أجنبي، ما يجعلها الدولة الأولى في عدد العاملات والعمال الأجانب في المنطقة، والرابعة على مستوى العالم. ومن بين 11 مليون، هناك حوالي أربعة ملايين عاملة منزلية وافدة. ويضع نظام الكفالة العمال والعاملات الأجانب تحت رحمة كفلائهم، ما يرغمهم أحياناً على العيش في ظروفٍ مضرّةٍ بسلامتهم وأمنهم الوظيفي. وبدا ذلك جليًا في تسجيل العدد الأكبر من الإصابات بكوفيد-١٩ في المملكة بين العمال الأجانب، نتيجة سوء ظروفهم المعيشية وحرمانهم من وسائل الوقاية اللازمة.
والسعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لا تزال تُلزم جميع العمال والعاملات الأجانب بالحصول على "تصريح خروج" كي تتسنى لهم مغادرة البلاد. ومن شأن هذا الشرط - معطوفًا على الصعوبات التي يواجهها العمال والعاملات الأجانب إذا ما أرادوا الانتقال للعمل لدى صاحب عملٍ آخر - أن يضع هؤلاء العمال والعاملات تحت رحمة أصحاب العمل، ويزيد من احتمال تعرضهم للانتهاكات، بما في ذلك العمل القسري. من جهةٍ أخرى، يُعد العمال والعاملات الأجانب من أكثر الفئات تضررًا بسبب المحاكمات غير العادلة، إذ تتفاقم في العادة الانتهاكات ضدهم لدى عرضهم على المحاكمة، وكثيرًا ما يُحرمون من وجود المحامي أو من الترجمة اللازمة، حتى عند صدور أحكامٍ بالإعدام عليهم.
يجب على السلطات السعودية إصلاح قوانين العمل المحلية بما يكفل توفير حمايةٍ كافيةٍ للعمال والعاملات الأجانب من الانتهاكات على أيدي السلطات والمتنفّذين وأصحاب العمل الخاص.
10- حقوق "البدون"
على مدى عقود، عاش الأفراد "البدون" في السعودية على هامش المجتمع، وواجهوا صعوباتٍ كبيرةً في الحصول على الرعاية الصحية، أو التسجيل في نظام التعليم العام أو الحصول على فرص عمل. ويعاني العديد منهم لتأمين ضروريات الحياة الأساسية كالزواج، والطلاق، وتسجيل الأطفال، والحصول على الرعاية الصحية وغير ذلك.
يشمل مجتمع "البدون" القبائل النازحة والأطفال المولودين في السعودية لمهاجرين سابقين من عديمي الجنسية. ولا يوجد إحصاءٌ واضحٌ لأعداد "البدون"، لكن يُقدّر عددهم بمئة ألف مقيم. وقد سهّلت الدولة لبعض المجموعات من "البدون" الحصول على بعض الخدمات بموجب وثائق خاصة، لكن ذلك لا يوفّر لهم كافة الحقوق.
يجب على السلطات السعودية العمل على تجنيس كافة الأفراد عديمي الجنسية، والمصادقة على اتفاقية عام 1954 المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية، واتفاقية عام 1961 بشأن تخفيض حالات انعدام الجنسية، بالإضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
11- ضمان الحق في المشاركة السياسية
يتمثّل أحد أكثر الأحلام شعبيةً منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة في تحقيق المشاركة الشعبية في صنع القرار، ووجود تمثيلٍ نيابي في برلمانٍ منتخبٍ يقوم بالدور المنوط به في الإشراف على الميزانية، وإرساء توازنٍ في السلطة، وتوزيع القوة بين مؤسسات الدولة، وتبنّي مبدأ فصل السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أو نظام الضوابط والتوازنات بين المؤسسات. إن الحق في المشاركة السياسية وفي إدارة شؤون الحكم في البلاد قد يتخذ شكل الانتخاب المباشر لرأس السلطة التنفيذية، أو يتمّ عبر ممثلات وممثلين ينتخبهم الشعب بحريةٍ ليشكّلوا مجلس شورى أو برلمانٍ منتخبٍ بشكلٍ نزيهٍ وشفافٍ تشرف على انتخابه جهاتٌ شعبيةٌ ومراقبون دوليّون مستقلون.
للمواطنين والمواطنات حقٌ لا تنازل عنه في المشاركة في صياغة واقع ومستقبل بلادهم، بما في ذلك المشاركة في وضع رؤيةٍ اقتصاديةٍ وسياسية. فهم الذين يشاركون في الميزانية عبر دفع الضرائب، وعبر عائدات النفط التي يفترض أن تكون مُلكًا عامًا يمنحهم حق الرقابة والشراكة في إنفاق عائداته، من خلال مؤسساتٍ شعبيةٍ منتخبة، كما يحق لهم المشاركة في صنع وصياغة السياسات التي تؤثر في مصالحهم، في كافة المجالات من دون قيود.
يجب على السلطات السعودية ضمان التكريس القانوني والفعلي الكامل للحق في المشاركة السياسية، والانضمام إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
12- العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات
تضمن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وصول كافة المواطنين والمواطنات إلى إمكانياتهم القصوى، وعدم توجيه موارد الدولة في اتجاهات متحيزة وغير مبررة، وعدم التمييز بين الأشخاص أو المناطق أو المجموعات المختلفة في الحصول على الفرص والموارد. ولا يمكن لبلدٍ يمتلك ثرواتٍ استثنائيةً ويفرض ضرائب على الشعب، أن يسمح بالعبث بمقدّرات البلد وثرواته وإنفاقها على أغراضٍ شخصيةٍ لأفرادٍ محدّدين، بينما يُحرم الجزء الأعظم من الناس من حقهم الأساسي بالاستفادة من تلك الثروات. وتعني العدالة الاجتماعية وجود آليةٍ شعبيةٍ رشيدةٍ للتأكد من إنفاق العائدات والميزانية الوطنية في سبيل المصلحة العامة، وضمان نيل كافة أفراد المجتمع نصيبهم العادل من ثروة البلاد من دون تمييزٍ على أساس الولاء لأشخاصٍ نافذين أو الانتماء إلى توجهٍ سياسي أو ثقافي أو عرقي معيّن. كذلك لا يفترض بالدولة وضع خططٍ تنمويةٍ لمنطقةٍ بعينها من دون الأخذ في الاعتبار حماية سكانها من التهجير القسري، وضمان حقهم في التظلم بشكلٍ شفافٍ وعادلٍ إزاء إجراءات التهجير والحصول على التعويض المناسب. ولا يمكن تحقيق ذلك في ظل القمع الأمني الممارس والذي أدى إلى مقتل واعتقال وتهجير الناس من دون أي آلياتٍ أو معلوماتٍ واضحةٍ تبرّر هذا القمع غير الضروري، كما حدث لقبيلة الحويطات في منطقة نيوم على سبيل المثال، وغيرها من المناطق.
وفي مسارٍ تراكمي طويل، قاد العبث بالمال العام والاستئثار بالثروات واحتكارها في يد فئاتٍ أو عائلاتٍ أو طبقةٍ محدودةٍ إلى نشوء شبكة فسادٍ مالي ضخمة، وظهور أشكالٍ مختلفةٍ من الاستغلال المالي والاقتصادي. ولا يزال هذا العبث يُمارَس منهجيًا داخل الدولة اليوم وإن تغيرت الأسماء والمجموعات.
يجب على السلطات السعودية معالجة هذا الواقع بضمان حق المجتمع المدني للمساهمة في آليةٍ يشرف عليها الشعب عبر ممثليه ونوّابه لضمان توزيعٍ عادلٍ للثروة، بما في ذلك إعادة الثروات المنهوبة إلى خزينة الدولة والميزانية العامة، وتبنّي آليةٍ تسمح بالإشراف الشعبي على الميزانية عبر مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل إعلامٍ مستقلة، وبرلمانٍ منتخبٍ بشفافيةٍ تامةٍ وإجراءاتٍ واضحةٍ للرقابة والمساءلة والمحاسبة.
13- ضمان الالتزام بالقانون الدولي الإنساني في التدخلات الخارجية
يجب على السلطات السعودية وضع حد لكافة أشكال انتهاك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في تدخلاتها الخارجية وخاصة في اليمن، وضمان حصول المستفيدين سريعًا ومن دون معوقاتٍ على المساعدات الإنسانية والحاجيات الضرورية.
الموقعون:
هالة الدوسري
طه الحاجي
أميمة النجار
عبدالله العودة
يحيى عسيري
عبدالله الجريوي
سحر الفيفي
علياء الهذلول
لينا الهذلول
عبدالعزيز المؤيد
أريج السدحان
علي عسيري
مضاوي الرشيد
عمر بن عبدالعزيز الزهراني
صفاء الأحمد
مها القحطاني
أحمد حكمي
أماني الأحمدي
سعيد الزهراني
معن الشريف
شعاع الزهراني
ناصر العربي
رشا وهبي